الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

حمزة نمرة يكتب: عفواً..انتهى زمن العوالم


حمزة نمرة يكتب: عفواً..انتهى زمن العوالم

الجريدة(خاص) – كتب حمزة نمرة
حينما تستمع إلى أغنية ما، ثمة ذبذات صوتية تنتقل عبر الهواء لتستقبلها الأذن ثم تترجم إلى حزمة رسائل عاطفية داخل المخ، هذا الرسائل يمكن أن تكون إحساساً بالسعادة مثلاً أو بالحزن، بالحيوية أو النوم، بالعظمة أو بالتواضع..
من ضمن الرسائل المشفرة أيضاً داخل كل أغنية، ما يعرف بإسم "الهوية الفنية" أو "Artist's Identity” وهي الصورة التي تنطبع في ذهن المستمع عن صاحب العمل الموسيقي بمجرد سماع الأغنية، ويتحكم في تشكيل هذه الصورة عوامل عديدة، من أهمها موضوع الأغنية والكلمات واللحن ونوع الموسيقى، مروراً بالصورة المطبوعة على الغلاف (المظهر العام – الملابس – العمر) بالإضافة إلى العوامل المرتبطة بنظرة المجتمع لهذا الفن والثقافة السائدة. ودعني أعطي مثالاً هنا.

فريق البيتلز "The Beatles” خلال7 سنوات – عمرهم الفني – تستطيع بوضوح إدراك التحول أو التطور لهويتهم الفنية من ألبوم إلى آخر.

فأول ألبوم مثلاً وهو "I Want to Hold Your Hand”
من خلال سماع بعض أغانيه ستتكّون بداخلك صورة ذهنية لمجموعة موسيقية مرحة من الشباب المفعم بالحيوية لا يشغلهم سوى المواضيع العاطفية السطحية.

بينما إذا استمعت إلى ألبوم "White Album” ستجد إختلافاً شاسعاً بينه وبين الهوية الفنية في الألبوم الأول!

فهنا تجدهم شباباً ثورياً يتحدث عن موضوعات فلسفية أحياناً ولهم رؤية خاصة عن الحياة!

في مصرنا الغالية، وعلى مدى المئة عام الأخيرة، وبالرغم من تطور نوع الموسيقى وامتزاجها بالأنماط الغربية العصرية، إلا أن الهوية الموسيقية للغالبية العظمى من نجوم الصف الأول من الفنانين تطابقت تماماً مع القالب الكلاسيكي للفنان: ذلك الـ"جان"العاطفي المحبوب من الفتيات، الذي ليس له دخل بالسياسة ولا بأي موضوعات مهمة، هو فقط من أجل الفرفشة والنهنهة لا أكثر ولا أقل.
وهذا بالتالي يحتّم على نجوم الصف الأول من تلك النوعية، أن يكونوا آكلي عيش والسلام، ونظراً لأنهم أفضل وسيلة لتنويم الشعب وإلهائه، تأخذهم السلطة تحت إبطها تحت شعار أعطني ولاءك أفتح لك خزائن الأرض.
 والنتيجة هي حضور إعلامي وسيطرة ونفوذ لهؤلاء الفنانين فيما يشبه الاحتكار.
لذلك حين أتت ثورة 25 يناير، وضعت هؤلاء النجوم في مأزق هائل، فقد آثرت الأغلبية العظمى من نجوم الصف الأول الدفاع عن النظام كرد فعل طبيعي تجاه حكم ظل دهراً يفتح لهم الأبواب المغلقة ويقف بجانبهم وقت الشدة والمرض (وهذا ليس حناناً من السلطة إنما هي المصالح يا عزيزي). وأظنهم توقعوا بأنها مجرد هوجة ستنتهي بهم إلى كسب مزيد من الأرض مع السلطة.

أعتقد أن الفترة القادمة ستكون فترة مشرقة في تاريخ الموسيقى في مصر، سنرى فيها تحولاً جذرياً في الهوية الموسيقية للفنان المصري، سينتهي زمن الراقصين والمطبلين على الموائد التي تدفع أكثر، سينتهي زمن العوالم، وستبدأ موجة جديدة من الوعي الفني، موجة من الالتحام مع هموم المجتمع وقضاياه المصيرية، كما سنراه أخيراً وبوضوح.. هذا الفنان المصري، صاحب الفكر والرؤية الخاصة للحياة.
وتحيا مصر
حمزة نمرة

الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

هنروح فين؟- تانى مقال حمزة نمرة - جريدة التحرير




انتظرنا هذا اليوم بفارغ الصبر.. فهو لم يعد «الويك إند» التقليدى، كما كان فى الماضى.. لم نعد نطوف اليوم بطوله حول القاهرة، مرددين نفس الحوار إياه… «هنروح فين؟».. «المطعم الفلانى».. «لا، زهقت منه بجد».. «خلاص المول العلانى».. «مافيهوش لعب أطفال».. «يبقى النادى».. «هنتقرف فى ركنة العربية».. وهكذا إلى أن يهدينا الله إلى مطعم ما أو مول نقتل فيه ما تبقى من اليوم ثم نعود.
نزلنا من البيت مسرعين، لم نركب السيارة لأن المسرح قريب و«الطفطف» مسلّى أكثر ويقف أمامه مباشرة.. مسرح حى المعادى المشيّد على الطريقة اليونانية! يا لها من فكرة رائعة، كثيرا ما دعوت لذلك الشخص الذى فكر فيها، وأراحنا من ملل الويك إند، وأضاف مزيدا من البهجة والسعادة والثقافة إلى حياتنا كمصريين..
كان إنشاء مئات المسارح الرومانية الصغيرة فى كل مناطق وأحياء المدن، كالقاهرة والإسكندرية، قرارا ثوريا بحق.. لقد أحدثت هذه المسارح نقلة نوعية فى مسار الثقافة والفن.. حتى أصبح عاديا أن تجد عشرات المبدعين من أبناء الحى الواحد يتسابقون على تقديم الأرقى والأمتع على مسرح الحى الصغير.. فعندنا مثلا فى حى المعادى حضرنا الجمعة الماضية مسرحية غاية فى الروعة والقيمة والإضحاك، قدمتها مجموعة من «كوميديانات الحى» الذين أتوقع لهم نجاحا كبيرا فى المستقبل.. والجمعة قبل الماضية كان هناك حفل لشاعر أبكانا بكلماته التى ألفها فى ذكرى رحيل والدته، فوقفنا نصفق له أكثر من دقيقة كاملة..
اليوم سيكون رائعا بالتأكيد، فبداية الحفل مجموعة رقصات جنونية مرحة، يشارك فيها كل الأطفال الحاضرين -منظر ولدين وهما يقفزان كالضفادع يقتلنى من الضحك- ثم يليها عرض ساخر لأحد البارعين فى الانتقاد السياسى والاجتماعى «تسبب أحد عروضه فى تقديم استجواب أدى إلى إقالة أحد الوزراء!».. يليه فريق موسيقى ينتظر الجميع حفلاته كل شهر.. و..
«حاسب!».. انتفضت كالملدوغ لأتفادى الميكروباص الذى توقف فجأة.. يبدو أنه رأى جنيها على الأرض وجب لمّه..
عدت إلى أرض الواقع.. وكعادة كل ويك إند، أهيم مع عائلتى وسط زحام القاهرة.. باغتتنى زوجتى بالسؤال إياه «هنروح فين؟».. تنهدت.. وحوقلت.. ثم قلت..
«المطعم الفلانى».
وسلام!



الجمعة، 2 ديسمبر 2011

(المندوه) مقالة حمزة نمرة - جريدة التحرير





حمزة نمرة
فى ورشة ضيقة لا تتجاوز مساحتها الستة أمتار مربعة فى حى البساتين، تنطلق يد ذلك الشاب الأسمر الماهر لتصنع أحد أكثر الآلات الموسيقية أصالة.. آلة تختزن بين أوتارها سهول الأندلس وشمس العراق ونسيم الأناضول ولون النيل، أوتارها تحكى أساطير الأجداد وتسرّى عن قلوب العباد.. إنه العود.
وللعود شخصية ساحرة ومزاج عالٍ، فهو يصرّ على مصافحة يد مبدِعِه وأدواته البدائية البسيطة، لكنه يتعالى على الآلة الصناعية والماكينات الضخمة، ضاربا باقتصاديات السوق والإنتاج الكبير عرض الحائط.. وهذه هى دماغه! يعشق الشغل التفصيل ويكره الجاهز، يحب أن يراه الناس جميلا متزينا بالصدف والزخارف، ولا يتنازل أبدا عن السبسبة والنمنمة.
ظلت مصر المقصد الأول لمحبى العود لسنوات طويلة من القرن الماضى، ولكن فى السنوات العشر الأخيرة، قفز العود التركى إلى الصدارة، وتراجع العود المصرى مثقلا بهمومه وأعباء صناعته التى أُهمِلت وبات مهددا بالانقراض.
تناقص عدد الفنيين المهرة (صانعى العود) حتى أصبحوا لا يتجاوزون العشرة الآن، وتقاعست الدولة عن بذل أى مجهود يحمى هذا الفن، فلا هى أسهمت فى إنشاء مدارس لمثل هذه الحرف الفنية اليدوية، ولا هى ساعدت فى توفير حتى الخامات الأولية من الأخشاب والصدف والزخارف.
وكعادتنا التى لن نشتريها، فإننا لا نهتم كثيرا بمثل هذه الأشياء التى فى نظرنا المادى «عديمة الفائدة»، ففى مجتمع على وشك أن يُطلِّق الفن الراقى بالثلاثة، يجرى الناس جرى الوحوش وراء لقمة العيش فقط… وبين صراعنا الذى يبدو لى أنه أبدى مع المتسلطين على البلاد والعباد بفسادهم وظلمهم، وبين زحام الميكروباصات وانشغالنا بالإيرادات والمصروفات.. ينحسر الجمال والفن ويتوارى إلى الظل ليسكن كالحلم الجميل فى قلوب «المندوهين» مثلى ومثل ذلك الشاب، فنشعر وكأننا نسبح ضد تيارٍ جارفٍ من القبح والتشوّه.
مع كل ذلك، يبقى الشاب الأسمر بقلبٍ محبٍ لهذه الحرفة الفنية التى تعلمها -بإرادته- من والده، قابعا فى ورشته الضيقة، التى يولد فيها كل أسبوعين مولود جديد يحتضنه «مندوه» جديد وينطلق ليسبح به ضد التيار…
بقى يومان ويولد صديقى الجديد ذو الشخصية الساحرة والمزاج العالى.. فى انتظارك أيها العود.